قصة مسلسل سامحيني

نقدم لكم قصة المسلسل الدرامي العاطفي الاجتماعي التركي المدبلج «سامحيني»، كما تعرضه قنوات لبنانية، لم أكن أنتبه ولا أميل للمسلسلات التركية المدبلجة، دفعتني مجاملة زوجتي للمشاهدة معها لاكتشاف هذا المسلسل، حتى أصبحت المشاهدة جزءا من طقوسنا العائلية المهمة، وقد يكون الحديث ايضا عن أحداث المسلسل وشخصياته ضمن الحديث اليومي، حيث أصبحت الشخصيات خصوصا (فريدة، منار، وليد وكمال) من أصدقاء العائلة، هذا العمل أصبح يجذب الملايين حول العالم، يشعر المرء بأن الدبلجة المغربية كانت جيدة جدا ولا تقف اللهجة حجر عثرة كونها مفهومة وجيدة، يمكن لعائلة غير مغربية أن تستمع بالمسلسل من دون عوائق لغوية عكس الافلام أو المسلسلات المغربية التي تكون صعبة عسيرة، فينصرف المشاهد غير المغربي ولا يحتمل هذه المعركة الصعبة مع اللهجة المغربية، لعلنا نسأل، لماذا الأخوة المغاربة لا يتخذون أسلوبا وسطا في الحوار لتسهيل الفهم وكسب انتشار أكبر على المستوى العربي؟

قصة مسلسل سامحيني

قصة مسلسل سامحيني


قصة مسلسل سامحيني :-
قصة المسلسل باختصار في مدينة أنقرة تدور حول عائلة كوزان، العائلة الغنية تتكون من عثمان كوزان أب متسلط وميكافيلي رغم حبه لعائلته وابنائه، إلا أن المال مهم جدا بالنسبة له – قاس في تصرفاته في الكثير من الأحيان خصوصا مع زوجته زهرة. يرفض زواج ابنه كمال من منار فتاة فقيرة تسكن في حي شعبي بالضاحية، مما يجعل كمال يتخلى عن عائلته وينتصر لعشقه، كذلك يحدث مع وليد المغرم بالفتاة الجميلة فريدة اليتيمة والفقيرة، رغبات هذا الحب تصطدم بسلطة الأب الذي يوجه اولاده وفق المصلحة المادية، فيسبب الكثير من التعاسة للابناء وتحدث صدامات عديدة ثم مصالحات مع العائلة، كذلك هناك أطراف أخرى تلعب أدوارا في المسلسل، مثل ايلول التي تأتي لبيت كوزان كي تنتقم من الأب كونها تظن أنه أحرق بيتها ودمر عائلتها وفرقها عن اختها فتتقرب إلى وليد بمساعدة سهيل الذي يكره خالة كوزان، نكتشف في الأخير أن سهيل ابن زهرة زوجة كوزان هو الآخر يعشق فريدة بجنون ويريد أن يتزوجها ليحرق قلب وليد، كمال لديه كذلك بلال منافس له في حب منار، بلال ابن نذيرة العاملة التي تعمل في بيت كوزان وهو نموذج للشر يحيك الدسائس لكمال، نعيش الكثير من الأحداث القوية والعاصفة، مثل حادثة كمال وحادثة منار، تقريبا الجميع يتعرض لحوادث، كذلك نعيش جوا عائليا مشحونا بالحب والسعادة وأحداثا يومية وعودة إلى الطفولة والماضي وذكريات كثيرة.
لعلنا كي نقف مع هذا العمل الفني المتقن والمدهش يصعب علينا كثيرا إنجازه في مقالة واحدة، ولكن يمكننا أن نكتفي بمرور سريع لأهم عناصر الشد والإثارة وبعض الجماليات المهمة ضمن عناصر الدهشة الدرامية:
لعل الجانب المهم هو الشخصيات، فعلى الرغم من كثرتها إلا أننا نتعايش ونشعر بصداقة دافئة مع ابطال المسلسل بسبب الاكتشافات المهمة في جانب كل شخصية، التي لا يتم تقديمها دفعة واحدة، بل عبر جرعات فتصبح هذه الشخصيات خصوصا (كمال، وليد، فريدة ، منار، ايلول، بلال، هنادي سحر، ريتا، زهرة، نذيرة، نسرين، محمود، شاهين، وكذلك بطبيعة الحال الأب كوزان ولقمان زوج ريتا). هذه الشخصيات تحمل العاطفة وتعاني من الوجع، الذي هو ليس وليد اللحظة أغلب هذا الوجع يأتي من الماضي، لكل شخصية سرها الخاص الذي لا نتمكن من اكتشافه في الحلقات الأولى، كي تكتشف هذه العوالم أنت مجبر للتعايش معها بشكل يومي، لأن كل شخصية لديها نقطة ضعف وحلم تكافح من اجله، ولها ماض تعيس تحاول الفرار منه، لكنه يلاحقها بقوة لتتكشف بعض الأسرار والفضائح، فيحدث تغيرات في العلاقات بين الشخصيات تقارب وتنافر وتنافر ثم تقارب، وهكذا نبحر في دوامة من الصراعات وقد نصطدم بشخصيات ثانوية تدخل ثم تذهب بسرعة، مجموعة من المشاكل الصغير يتم حلها بسرعة في عدة حلقات لكن المشاكل والنقاط الجوهرية تظل صعبة الحلول.
نعيش في إطار اجتماعي عائلي متنوع المناسبات ونبحر في تفاصيل من الحياة اليومية البسيطة التي ليست لها أهداف درامية ضخمة، لكن لها أثر كوميدي مرح مثلا طريقة الاكل والملبس والطبخ، ما يحبه هذا وذاك من الأكل أو الملبس وغيرها من الأمور البسيطة اليومية، كل هذا يجعلنا نعيش في جو عائلي قريب منا، من خلال بعض الأحداث الصغيرة قد نصطدم بالمشاكل الجوهرية، وكثيرا ما تنير هذه الأحداث الصغيرة جانبا مهما روحيا واجتماعيا، ويجعلنا نتعمق أكثر في دواخل الشخصية، هذه الأحداث من الأفعال البسيطة تمد الكثير من جسور التآلف والتعايش مع المشاهد، وقد تكون في بعض الأحيان متنفسا بعد أزمات درامية قاسية تحمل في طياتها الكثير من المرح والفكاهة حتى تلك الشخصيات التي يمكن وصفها بالشريرة، حمل العنصر المرح الفكاهي، نحس أن حضورها ليس ثقيلا حتى في لحظات الدسائس وزوع العراقيل أمام الأبطال، فإننا لا نكره ظهورها، نعتاد على كل شخصية ولا نكره التعرف عليها، بل اننا لا نحس أن هناك شخصيات زائدة غير ضرورية رغم كثرة الشخصيات الثانوية والعابرة إلا أن جميعها يترك أثرا.
كل شخصية وخصوصا الأبطال نجحوا في لفت انتباهنا، يعود هذا إلى الأداء التمثيلي الجيد جدا، فلكل شخصية طابع خاص مستقل غير مكرر نحس بأن الممثل هنا يعمل ويؤدي دوره بكل جزء من كيانة النفسي والروحي والجسدي، في اللحظات الرومانسية ننعم بهذا التقارب العشق الصادق الحلم نحسه قريبا باستطاعتنا لمسه، وفي لحظات التعاسة والمصائب نكاد ننفجر في البكاء، نشعر برعشة لهذا الحادث أو لموت شخصية، كل حدث مؤلم له وقع قوي ليس بالمؤثرات الموسيقية مثلا يتم انتزاع تعاطفنا، ولا بالبكائيات والصراخ والعويل، بل هذه الجودة العالية في الاداء المدهش، (تعابير الوجه، رعشة اليد والجسد، نظرات العيون، الحركة في الفضاء المكاني) نحن كذلك نتعايش مع هذه الأمكنة البسيطة فتصبح ودودة لم يكن الابهار في الإسراف بالديكور وتقاسيم المكان، حركة الشخوص وعلاقتها بالمكان هو المصدر القوي الذي يمنح المكان قوة جمالية، وكذلك بعض الأشياء البسيطة قد تكون لها دلالات روحية وجمالية ودرامية تنقلنا من حالة إلى حالة أخرى مشحونة بالدهشة، الحرفية هنا في تعامل الكاميرا مع المكان ومع هذه الأشياء الصغيرة وكذلك مع الشخصيات لم يتم استخدام حركات خارقة للكاميرا، تم استخدام الوضعيات والحركات المعروفة، ولكن بحرفية ممتازة، بحيث أننا لا نشعر بالكاميرا كأداة تسجيل، نشعر بها كشخصية أساسية تنظر وتراقب وتعايش وتتعايش مع هذه الشخصيات والأمكنة ومعنا أيضا هي تكتشف ما نود اكتشافه، ولكن أحيانا تراوغ وتماطل في تقديم الشخصية، تركز على جزء من الجسد دون الآخر في بعض الأحيان تكون الثقب الذي نتطلع من خلاله ونتجسس بفضول على بعض المواقف، كثيرا ما تلفت انتباهنا إلى أداة معينة أو شيء، من دون أن تسرف في توضيحها ليكن بعد ذلك سرا كبيرا أو حدثا مهما يكون انطلاقه من شيء صغير.
لا يتم تقديم الحلول بسرعة هناك مراوغة كبيرة من المخرج ليس هدف المراوغة الإطالة فقط، هذه الإطالة في حل بعض القضايا لم تكن مملة جدا ثم هذه التشابك الصعب في الأحداث كون هناك مسارات عديدة تتقاطع في بعض الأحيان وفي أحيان أخرى تظل تبحر لوحدها كما يتم التطرق لمناقشة قضايا وقيم اجتماعية مهمة يتم تقديمها في أسلوب درامي ممتع، بعيدا عن أسلوب الوعظ والخطابة أو الطرح المباشر، كما يزخر العمل بمشاهد مطاردات ومشاحنات عديدة تم إخراجها بشكل جيد، والكثير منها مشوق ومضحك وكذلك تخللت العمل اغان من التراث التركي ومقاطع عصرية رومانسية ورقيقة تأتي لتغوص بنا في فضاء عاطفي ساحر.
المسلسل قدم نماذج إنسانية متعددة تعيش في بيئة ليست بعيدة عن عاداتنا وتقاليدنا العربية، كانت هناك مشاهد كثيرة تعكس وتصور عادات اجتماعية، كحفلات الزواج وطقوس الدفن والختان والاحتفال بالأعياد الدينية، كل هذا تم تصويره ببساطة من دون مبالغة بصورة تجعلنا نتعايش مع هذه العادات نضحك لضحكهم ونلهو ونفرح لفرحهم ونبكي لحزنهم ومصائبهم، هذه المدة الزمنية الكبيرة والطويلة والمشاهد يتابع الأحداث وقد تكون الحلقة كاملة تحكي حدثا يوميا واحدا تتناوله من عدة جهات مع ردود الفعل المختلفة لكل شخصية، وقد تكون الحلقة تحكي مسار يوم وفي بعض الأحيان مجرد ساعة واحدة فقط، وربما أقل كوننا في بعض الحلقات نعيش تفاصيل دقيقة جدا، ويكون هناك استرجاع ورحلة إلى الماضي، رغم هذا يستمر العمل في الإمساك بالمشاهد وتقليص أي فجوة يتسرب منها الملل فتظهر عناصر وشخصيات جديدة تلفت انتباهنا وتظهر دسائس جديدة فيزيد خوفنا على الابطال ونتشوق في انتظار الحلقة القادمة.

شاهد أيضاٌ :-

قصة مسلسل سامحيني